في أحيانٍ كثيرة، يمرّ الإنسان أمام المرآة دون أن ينتبه لتفاصيل دقيقة في جسده قد تحمل إشارات مهمّة عن حالته الصحية، وإحدى هذه الإشارات الخفية في شكل الغدة الدرقية في الرقبة، إذ تحتضن الرقبة مركزًا حيويًا يتحكم في طاقة الجسم وحرارة الجلد ونشاط الأجهزة الحيوية، وأي تغيّر صغير في هذا الموضع قد يكون أكبر من مجرد تضخم عابر أو انتفاخ مؤقت.
لفهم الإشارات التي يرسلها هذا الجزء الحساس من الجسم، لا بدّ من معرفة شكل الغدة الدرقية في الرقبة، وقراءة ما قد يخفيه من أعراض أو مؤشرات تستدعي الانتباه.
ما هي الغدة الدرقية؟
الغدة الدرقية هي غدة صمّاء تقع في مقدمة الرقبة، وتُعدّ من المكوّنات الأساسية للجهاز الهرموني في الجسم، إذ تُنتج هرمونات الثايروكسين (T4) وثلاثي يودوثيرونين (T3)، وهما الهرمونات المسؤولة عن تنظيم عمليات الأيض في الجسم (أي الطريقة التي يستخدم بها الجسم الطاقة).
وتؤثر الغدة الدرقية في معدل نبضات القلب وحرارة الجسم ووزن الإنسان ونشاط الأمعاء، ولذا فأي اضطراب في عملها ينعكس على الجسم بصورة شاملة.
شكل الغدة الدرقية في الرقبة
تتخذ الغدة الدرقية في وضعها الطبيعي صورة فراشة مفرودة الجناحين، وتتموضع أسفل تفاحة آدم مباشرةً، أي في منتصف الرقبة من الأمام، وهي تتكوّن من فصين (أيمن وأيسر) متصلين بجزء في المنصف يُسمّى البرزخ
ولا يمكن رؤية أو لمس الغدة الدرقية بسهولة عند الأشخاص الأصحاء، إذ يراوح طول كل فص بين 4 و6 سنتيمترات تقريبًا، وعند لمس الرقبة تبقى الغدة ناعمة ومرنة دون وجود كتل أو انتفاخات.
تغيرات شكل الغدة الدرقية في الرقبة عند وجود خلل
عند حدوث اضطراب، يظهر تغير في شكل الغدة الدرقية في الرقبة بصورة ملحوظة على هيئة تضخم عام في منطقة الرقبة، أو انتفاخ في أحد الجانبين دون الآخر.
في بعض الحالات، قد تظهر عقيدات أو كتل صغيرة تحت الجلد، وقد تكون متحركة أو ثابتة، كما يُلاحظ الشخص أحيانًا بروزًا بسيطًا في الرقبة عند البلع، خاصةً عند تضخم الغدة أو تكون أكياس.
في حال كانت الكتل متحركة فربما تكون من أعراض سرطان الغدة الدرقية الحميد، أما إذا كان ثابتة فقد تكون من أعراض سرطان الغدة الدرقية الخبيث، ما يتطلب غالبًا الخضوع لعملية استئصال الغدة الدرقية.
هل يختلف شكل الغدة الدرقية في الرقبة بين الرجال والنساء؟
الفرق بين الجنسين في صورة الغدة لا يرتبط بتشريحها، بل بالأنسجة المحيطة بها ونسبة الدهون تحت الجلد، في العادة تكون الغدة أكثر وضوحًا عند النساء بسبب قلة الكتلة العضلية في الرقبة مقارنةً بالرجال.
كما أن اضطرابات الغدة تظهر بصورة أكثر شيوعًا لدى النساء، ما يجعل ملاحظة التغير أسهل لديهنّ، في المقابل قد يختفي التغير عند الرجال نتيجة كثافة العضلات أو الشعر في منطقة العنق.
كيف يُكتشف تغير شكل الغدة الدرقية في الرقبة؟
لا يمكن الاكتفاء بالملاحظة المباشرة من قبل المريض لتشخيص الغدة الدرقية، إذ يتطلب الأمر فحصًا سريريًا دقيقًا من قبل الطبيب لتقييم الحالة بدقة، بالإضافة إلى بعض الفحوصات، مثل:
- الفحص بالموجات فوق الصوتية (السونار): يُظهر حجم الغدة بدقة، ويكشف وجود عقيدات أو أكياس.
- تحليل الهرمونات الدرقية: يُستخدم لتقييم وظيفة الغدة عبر قياس مستويات هرمونات TSH وT3 وT4.
- المسح الإشعاعي النووي: يحدد ما إذا كانت العقيدات نشطة أو خاملة.
- الرنين المغناطيسي أو الأشعة المقطعية: تُجرى في حالات معقدة لتحديد مدى انتشار التغيرات.
- فحص العينة: تؤخذ عينة من الكتلة الموجودة في الغدة بإبرة دقيقة لفحصها تحت المجهر.
تعد هذه الفحوصات ضرورية بصورة خاصة عند وجود الحاجة للتدخل الجراحي، وذلك لتجنب مضاعفات عملية استئصال الغدة الدرقية.
متى يكون تغير شكل الغدة الدرقية مؤشرًا خطرًا؟
عندما يصاحب التغير في شكل الغدة الدرقية في الرقبة أعراض أخرى مثل:
- صعوبة البلع.
- ضيق تنفس.
- تغير الصوت.
- فقدان الوزن غير المبرر.
- وجود كتل صلبة وثابتة.
- وجود كتل تنمو بسرعة خلال أسابيع قليلة.
- ملاحظة انتفاخ متكرر بعد العلاج أو استمرار التضخم رغم انتظام الفحوصات.
قد تشير هذه الأعراض إلى مجموعة مختلفة من الأمراض التي تصيب الغدة الدرقية، وسوف نتعرف إلى أبرزها فيما يلي.
قصور الغدة الدرقية
قصور الغدة الدرقية يعني تراجع قدرتها على إفراز الهرمونات، ما يؤدي إلى بطئ الوظائف الحيوية بالجسم، ويظهر ذلك من خلال أعراض مثل:
- الإرهاق المستمر.
- زيادة الوزن رغم انخفاض الشهية.
- جفاف الجلد.
- برودة الأطراف.
- تباطؤ ضربات القلب.
- تساقط الشعر.
- اضطراب الدورة الشهرية لدى النساء.
غالبًا ما يُكتشف هذا القصور بعد ملاحظة انتفاخات خفيفة في الرقبة، خصوصًا في الفحص الدوري.
فرط نشاط الغدة الدرقية
على عكس الحالة السابقة، يشير فرط نشاط الغدة الدرقية إلى إفراز كميات زائدة من الهرمونات، ما يؤدي إلى تسريع عمليات الأيض، وتظهر أعراض هذه المشكلة كما يلي:
- التوتر والعصبية المفرطة.
- تسارع ضربات القلب.
- زيادة التعرق.
- صعوبة النوم.
- ارتجاف اليدين.
- جحوظ العينين في بعض الحالات.
ويظهر تغير شكل الغدة الدرقية في الرقبة في هذه الحالة على هيئة تضخم متماثل أو عقيدات نشطة.
تضخم الغدة الدرقية
يظهر عادةً نتيجة نقص اليود أو الاضطرابات المناعية أو تكوّن الأكياس والعقيدات، وتشمل أعراض هذه الحالة:
- ظهور انتفاخ واضح أسفل الحنجرة.
- شعور بضغط على القصبة الهوائية.
- صعوبة في التنفس أو البلع.
- بحة في الصوت.
تختلف شدة التضخم بين شخص وآخر، لكن يبقى تغير شكل الغدة الدرقية في الرقبة مؤشرًا رئيسيًا لوجود المشكلة.
وبعد التعرف إلى شكل الغدة الدرقية في الرقبة في الحالة الطبيعية والمرضية، نجيب عن بعض الأسئلة الشائعة فيما يلي:
هل يمكن ملاحظة تغير الغدة الدرقية بالعين المجردة؟
نعم، خاصةً إذا كان التضخم واضحًا أو ترافق مع الكتل.
هل يرتبط تغير الغدة الدرقية بسرطان؟
ليس بالضرورة، لكن وجود كتل صلبة وثابتة يستدعي فحصًا دقيقًا لاستبعاد الأورام الخبيثة.
هل تغير شكل الغدة الدرقية في الرقبة يكون مؤلمًا؟
في أغلب الحالات، لا يكون التغير في شكل الغدة الدرقية في الرقبة مؤلمًا، إلا إذا كان بسبب التهاب حاد.
الخلاصة..
شكل الغدة الدرقية في الرقبة ليس مجرد تفصيلة تجميلية، بل هو مؤشر وظيفي حساس لأي خلل داخلي، وقد يؤدي تجاهل التغيرات إلى تأخر في اكتشاف مشكلات صحية قد تكون خطيرة.
لذلك، لا يكفي مراقبة الأعراض، بل يجب فهم شكل الغدة جيدًا والتعامل معها كنافذة صادقة لحالة الجسم.