تُعد عملية استئصال الرحم الخيار العلاجي الأخير عندما تفشل الوسائل الأخرى في السيطرة على الأعراض أو تحسين جودة حياة المريضة، وتشمل هذه العملية استئصال الرحم جزئيًا أو كليًا.
وقد تقتصر العملية على إزالة الرحم فقط، أو تمتد لتشمل عنق الرحم أو المبايض وقناتي فالوب، كما تتباين طريقة إجراء العملية بين الجراحة عبر البطن أو المهبل أو باستخدام المنظار، وفقًا لحالة المريضة، وهو ما ينعكس بدوره على فترة التعافي والأعراض المتوقعة، وحتى كم تستغرق عملية استئصال الرحم؟
ورغم أن هذا التدخل يُخفف المعاناة الجسدية لدى بعض النساء، خاصةً من يعانين نزيفًا متكررًا أو آلامًا مزمنة، فقد تمتد أضرار استئصال الرحم لما هو أبعد من الجانب الجسدي، لتؤثر أحيانًا في الحالة النفسية والعلاقة الزوجية، بل وحتى في الإحساس بالأنوثة والذات.
في هذا المقال، نسلّط الضوء على أبرز أضرار استئصال الرحم، ونناقش انعكاساتها الجسدية والنفسية والجنسية، لنساعدك على اتخاذ قرار مبني على وعي وطمأنينة.
أضرار استئصال الرحم
عند الحديث عن أضرار استئصال الرحم، من المهم التفريق بين المضاعفات المباشرة التي قد تظهر خلال الأسابيع الأولى بعد الجراحة، والأضرار التي قد تحدث على المدى الطويل وتؤثر في نمط الحياة والصحة الجسدية والنفسية للمرأة، ورغم أن الجراحة تُعد حلًا نهائيًا لبعض الحالات الطبية، فإنها ليست دائمًا خالية من العواقب، وقد تُخلّف آثارًا لا تظهر فورًا.
وتجدر الإشارة إلى أن شدة هذه الأضرار لا تتساوى بين جميع النساء، بل تختلف باختلاف العمر والحالة الصحية ونوع الاستئصال، ومدى الدعم النفسي والاجتماعي خلال فترة التعافي.
وفي السطور التالية، سنتناول بالتفصيل أضرار استئصال الرحم وتأثيرها في النواحي الجسدية والنفسية والجنسية، إلى جانب التأثيرات الممتدة على المدى البعيد.
تأثير أضرار استئصال الرحم في الصحة الجسدية
تُعد التأثيرات الجسدية المباشرة لأضرار استئصال الرحم من أبرز ما تواجهه المرأة في فترة ما بعد الجراحة، فهذه العملية، سواءً أُجريت عبر البطن أو المهبل أو باستخدام المنظار، تُصنّف أنها جراحة كبرى تترك بصمتها على الجسم بطرق متعددة، ومن أبرز الأعراض الشائعة بعد الاستئصال ما يلي:
- انقطاع الطمث.
- الشعور بالإرهاق والتعب العام، والذي قد يستمر لدى بعض النساء لفترة طويلة.
- الآلام المزمنة في منطقة الحوض أو أسفل الظهر، لا سيّما في حال تأثر الأنسجة المحيطة أو حدوث التهابات موضعية.
- تغيرات في الجهاز البولي بعد الجراحة مثل سلس البول أو صعوبة في التحكم بالتبول، أو الحاجة المتكررة للتبول، نتيجة تغيّر موضع المثانة أو إصابة الأعصاب المحيطة في أثناء العملية.
- تغيّرات في نمط النوم.
- اضطرابات في الشهية والوزن، ما يؤثر مباشرةً في جودة الحياة والنشاط اليومي.
ورغم أن هذه الأضرار الجسدية لا تصيب كل النساء بنفس الحدة، فالوعي بها والاستعداد الجسدي والنفسي يُسهمان في تخفيف حدتها والتعامل معها بفعالية في حال حدوثها.
تأثير أضرار استئصال الرحم في الصحة النفسية
لا تقف أضرار استئصال الرحم عند حدود الجسد، ففقدان عضو يرتبط بالخصوبة والأنوثة، قد يخلق فراغًا عاطفيًا يصعب ملؤه، خاصةً في حال غياب التهيئة النفسية أو الدعم بعد العملية.
وقد تعاني بعض السيدات نوبات اكتئاب أو مشاعر حزن مزمنة عقب الجراحة، وقد يعزى هذا إلى التغيرات الهرمونية المفاجئة، لا سيّما عند إزالة المبيضين، ما ينعكس على الاستقرار النفسي والعاطفي.
وقد تظهر الأعراض النفسية الأخرى في صورة قلق مستمر أو إحساس عام بعدم التوازن، إضافةً إلى شعور بعض النساء بأن حياتهن قد فقدت جزءًا من معناها أو استقرارها، نتيجة تصورات اجتماعية أو شخصية تربط الرحم بالهوية النسائية.
ولهذا، فإن دعم الصحة النفسية يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من خطة التعافي، سواءً من خلال جلسات الإرشاد النفسي، أو حتى التواصل مع طبيبة تُدرك أبعاد التجربة، فالتعافي الكامل لا يتحقق بالجراحة وحدها، بل بالاعتراف بالألم النفسي ومرافقته بالوعي والدعم.
تأثير أضرار استئصال الرحم في الصحة الجنسية
من أكثر المخاوف التي تراود النساء قبل الخضوع للجراحة هي تأثيرها في العلاقة الجنسية، لأن أضرار استئصال الرحم قد تمتد لتشمل عدة جوانب من الصحة الجنسية، سواءً على المستوى الجسدي أو النفسي.
ومن التأثيرات الجسدية الشائعة جفاف المهبل، خاصةً في الحالات التي يُزال فيها المبيضان، إذ يؤدي إلى انخفاض كبير في هرمون الإستروجين، الذي يؤدي دورًا هامًا في ترطيب الأنسجة المهبلية والحفاظ على مرونتها، وقد يُسبب هذا الجفاف ألمًا في أثناء العلاقة، ما يؤثر بدوره في تراجع الرغبة الجنسية أو تجنّبها.
وقد تكون أضرار استئصال عنق الرحم أكثر وضوحًا فيما يتعلق بالإحساس في أثناء العلاقة الجنسية -إذا شمل الاستئصال عنق الرحم- وقد تكون هذه التغيرات ناتجة عن عوامل عصبية أو هرمونية أو حتى نفسية مرتبطة بالجراحة نفسها.
وعلى الصعيد النفسي، قد تتأثر ثقة المرأة بنفسها أو بصورة جسدها، وهذا الإحساس قد يُشكل حاجزًا داخليًا يؤثر في صحتها الجنسية بالسلب.
ومن المهم التأكيد على أن هذه الأضرار ليست حتمية ولا دائمة بالضرورة، إذ يمكن تخفيف حدّتها من خلال العلاج الهرموني، واستخدام مرطبات مهبلية موصوفة طبيًا، إلى جانب الدعم العاطفي والاستشارة الجنسية المتخصصة، كما أن وجود شريك داعم في العلاقة يُحدث فرقًا كبيرًا في تجاوز هذه المرحلة.
أضرار استئصال الرحم على المدى الطويل
لا تقتصر أضرار استئصال الرحم على ما يظهر في الأسابيع أو الأشهر التالية للجراحة، بل قد تمتد لتُحدث تأثيرات تدريجية في صحة المرأة مع مرور الوقت، خاصةً في حال غياب المتابعة الطبية أو تجاهل التغيرات الجسدية والنفسية التي قد تطرأ لاحقًا، ومن أبرز هذه الأضرار:
- ارتفاع خطر الإصابة بهشاشة العظام، نتيجة انخفاض مستويات هرمون الإستروجين، وهو ما يضعف الكثافة العظمية بمرور الزمن، وتُعد الكسور المتكررة، وآلام المفاصل، وتراجع القدرة البدنية من العلامات الدالة على هذا الخلل.
- زيادة احتمالية الإصابة بأمراض القلب، فقد يرفع استئصال الرحم من خطر الإصابة بأمراض القلب خاصةً في حال الاستئصال الكلي.
- اضطرابات التمثيل الغذائي مثل زيادة الوزن أو صعوبة فقدانه.
- مشكلات النوم المزمنة التي قد تنجم عن تغيرات هرمونية أو تقلبات نفسية مستمرة، وهذه التغيرات قد تنعكس على النشاط العام والاستقرار النفسي.
أما على الصعيد النفسي والاجتماعي، فقد تعاني بعض النساء فقدان الطاقة والشعور العام بعدم التوازن، ما يؤثر في العلاقات الشخصية والحياة اليومية، ولهذا، فإن غياب الرعاية الطبية الممتدة قد يؤدي إلى تفاقم هذه الأعراض.
ومن هنا، تبرز أهمية المتابعة المنتظمة، والتي تشمل فحوصات العظام وتقييم صحة القلب، والدعم النفسي كلما دعت الحاجة، فالرعاية طويلة الأمد ليست رفاهية، بل جزء أساسي لضمان تعافٍ حقيقي متكامل بعد الجراحة.
ختامًا ..
رغم أن استئصال الرحم قد يكون الحل الطبي الأنسب لبعض الحالات، فإن أضرار استئصال الرحم تستحق الاهتمام والاستشارة الطبية الدقيقة قبل اتخاذ القرار، فكلما زاد وعي المرأة بما قد تواجهه، وتهيأت نفسيًا وجسديًا، أصبحت قادرة أكثر على التعافي وتجاوز المرحلة بثقة.
وإذا كنتِ تبحثين عن رأي طبي متخصص، فننصحك بالتواصل وحجز استشارتك مع الدكتور هيثم فكري، استشاري جراحات الأورام في المعهد القومي للأورام.